الحلقة الأولى
بقلم أبو حميــــد
***************
يستيقظ كامل فى الصباح على جرس الموبيل الخاص به (تررررررن رن رن ...... تررررررررن رن رن)
يلتقط ساعته من الكومودينو المجاور لسريره فيجد الساعة العاشرة, يمسك بالموبايل فيجد المتصل هو إبنه الكبير محمد
- صباح الخير يا بابا
- صباح النور يا حبيبى.. عامل إيه؟
- تمام يا باشا إنت اللى عامل إيه وإيه النوم دا كله... ما وراناش شغل ولا إيه
- يا حبيبى البركة فيك إنت وأخوك.. مانتو شايلين الشركة على كتافكم
- لا يا عم الحج البركة فيك إنت وإحنا كلنا عايشين بحسك.. ربنا يخليك لينا
- طيب يا سيدى وبعد المحلسة دى كلها عايز إيه؟
- إيه دا... إنت نسيت ولا إيه؟ مش النهاردة عندنا توقيع عقود المشروع الجديد
- لا باشمهندس مش ناسى.. يس إنت وأخوك أحمد معاكم توكيلات وممكن أى حد يمضى
- لا لا لا لا... مشروع زى ده ماحدش حيملا عينه غير وجود المهندس كامل محمود للتوقيع شخصيا وبعدين بطل كسل وبطل تعيش فى دور الراجل العجوز.. دانت لسه شباب
- ماشى يا سيدى ... أنا عامل حسابى أكون عندكم الساعة3
- مستنيك يا باشمهندس
- مع السلامة يا حبيبى
أثناء مروره من الريسبشن للمطبخ بص على الصورة المعلقة وقالها صباح الخير ياأم العيال وهو اللقب المحبب لزوجته الراحلة
دخل المطبخ وملا ماكينة القهوة.. فتح الثلاجة وطلع منها شوية جبن وزيتون , صب القهوة فى مج زجاج وخده مع فطاره وخرج فى الريسبشن حط الحاجة و دخل الحمام غسل وشه وسنانه وسرح شعره,خرج تانى على الريسبشن و فتح اللاب توب وبدأ يبص فى الميلات اللى جاتله.
سمع صوت باب الشقة بيتفتح, - إيه يا حبيبى إنت لسه صاحى دلوقتى؟
- أهلاااااا إزيك يا منى وحشانى يا حبيبتى
- إزيك يا بابا.. أنا كنت رايحة أشترى شوية حاجات لاقيت عربيتك قدام العمارة, سألت الأمن قالى إن حضرتك لسه مانزلتش قلت أطلع أصبح عليك
- تنورى فى أى وقت ياحبيبتى .. تفطرى معايا؟
- لا سبقتك مانت عارف بفطر بدرى مع العيال وأبوهم قبل ماينزلوا... أنا حاصب لنفسى قهوة... إيه ده صحيح مش الدكتور قالك قلل منها علشان قلبك؟
-ههههه مانا كده مقلل.. يادوب 3 مرات فى اليوم.. وبعدين هو يعنى حناخد زمنا وزمن غيرنا؟
- بعد الشر عليك يا حبيبى.. إحنا مالناش غيرك فى الدنيا
- لأ يا بكاشة إنت ليكى جوزك ربنا يخليهولك... جوزك ده راجل بمعنى الكلمة.. أوى تزعليه أبدا... عايزك كده تبقى زى مامتك الله يرحمها
- الله يرحمها
- أمك عمرها ما زعلتنى وكانت على طول مستحملانى وبتدور على راحتى
- وإنت يا بابا كمان كنت نعم الزوج.. حضرتك فضلت جنبها فى مرضها ومقصرتش معاها فى أى حاجة
دا حضرتك كنت سايب كل مشاغلك فى مصر وفضلت تسافر معاها أخر سنتين أمريكا وأوروبا علشان علاجها
- دى مش تضحية ولا حاجة أنا شايف إن ده العادى وأقل كمان ....
محاولة للتغلب على دموعها قالت مغيرة للموضوع
- مش حتسمع كلامى بقى ونشوف حد يخدمك ويشوف طلباتك؟ ينفع واحد فى مركز حضرتك وبيته مافيهوش خدم وحشم؟؟
- يا حبيبتى قلتلك مية مرة إنى ماحبش حد غريب يبقى موجود فى البيت.. وإحنا طول عمرنا كده ولا نسيتى؟
- صحيح الواد محمود أخباره إيه؟
- إيه؟ هو إنت مابتسأليش على أخوك ولا إيه؟
- يا باشا براحة عليا.. أنا لسه مكلماه من كام يوم
- الحمد لله هو زى الفل فاضله شهر ويخلص الدكتوراة ويرجع يمسك فرع الشركة الجديد
- الواد ده شكل ألمانيا حتعجبه ومايرضاش يرجع
- لأ يا دكتورة حيرجع.. داإبنى وأنا عارفه ..دا تربيتى أنا وأمك زيكم بالزبط
- والله أنا بهزر.. أنا لازم ألحق أنزل علشان أخلص اللى ورايا وأرجع قبل الولاد ما يرجعوا من المدرسة
- مع السلامة يا حبيبتى , سلمى على جوزك وبوسيلى الولاد
- مع السلامة يا بابا... وطبعت بوسة على خده
..................................................
طول عمر كامل حامد ربنا على نعمه عليه, لأنه فعلا يتقال عليه بدأ من الصفر إلى أن أصبح صاحب واحدة من أكبر المجموعات الهندسية فى البلد, ربنا رزقه بثلاثة أولاد وبنت يمكن وصفهم بأنهم فعلا ذرية صالحة , زوجته الراحلة كانت نعم الزوجة ولكنه رغم كل ذلك كان يشعر أن قلبه (ناقص حتة أو مش كامل) وكان الموضوع ده دايما بيحسسه إنه مقصر فى مشاعره ناحية زوجته .. مع إنه عمره ماقصر معاها فى أى شىء مادى أو معنوى وكان دايما بيسمعها كلام حب وغزل بس مش من قلبه كله لأن قلب كامل كان غير كامل.
كان دائما ما يشعر أن جزء من قلبه قد فارقه مع حبيبة الصبا والشباب, تلك الفتاة الرائعة التى أحبها من كل قلبه وكان يشعر بحبها له, كانت الوحيدة من وسط شلة الأصدقاء التى تستطيع قراءة أفكاره بدون أن يتكلم, كان كلا منهما عندما يتحدث مع الأخر يشعر كأنه يتحدث مع نفسه, لم يستطع مصارحتها بحبه بسبب عدم مقدرته المادية, فقد كان مؤمن بأن الحب لابد أن تكون نهايته الزواج, وقد كانت هى من أسرة ميسورة الحال لذلك قرر أن يعمل بجد وإجتهاد بعد تخرجه ليستطيع التقدم لمحبوبته ولكن بعد سنة واحدة سمع خبر خطبتها ثم زواجها. حزن كامل بعض الشىء ولكنه إستمر فى عمله بنفس العزيمة, فقد كان مؤمن بان الإنسان لا ينال إلا نصيبه.. ولكن رغم مرور الأيام كان لا يزال يشعر أن جزء من قلبه قد فارقه للأبد.
.................................................
تم توقيع عقود المشروع الجديد وسط أجواء رائعة لأنه أول مشروع كبير بعد وفاة زوجة كامل أو أم العيال وهو اللقب الذى كانت تفرح به كثيرا.. بعد التوفيع عاد كامل إلى بيته لتغيير ملابسه إستعدادا لحفلة العشاء أو عشاء العمل .. حاول كامل التملص من الذهاب ولكن أبنائه أصروا على حضوره
محمد: لا يا بابا ماينفعش.. الناس حيفتكروا إنك مش مهتم بيهم
أحمد: أو ممكن يفتكروا إنك لسه تعبان وده ممكن يأثر على سمعتنا فى السوق
محمد: أحمد عنده حق إنت عارف الإشاعات فى بلدنا عامله إزاى
كامل: إنتوا عارفين أنا ماكونتش عايز أجى ليه؟ عايزكم إنتوا اللى تظهروا فى الصورة والناس يعرفوا إن الشركة ماشية بمجهودكم إنتم
أحمد: بص يا باشا.. حتيجى يعنى حتيجى.. دا غير إن الفندق ده مليان قطط
كامل: طيب تصدق لنا قايل لمراتك؟
أحمد: يا باشا إنت ماحدش يعرف يهزر معاك كده.. وبعدين إيه اللى يدخل الحكومة بينا.. دانتا حبيبى
محمد: سيبك منه يا بابا, أعدى عليك بدل ماتسوق؟
كامل: لأ أنا حاجى بعربيتى ... على فكرة, بكرة كل واحد يختار عربية جديدة مكافأة المشروع... و على حسابى الشخصى مش من حساب الشركة
أحمد: أيوة كده يابو الكماميل هو ده التظبيط المظبوط
كامل: الواد ده بيجيب الألفاظ دى منين.. يالا يابنى منك له كل واحد على بيته خلونى أفرد ضهرى ساعة وواقوم ألحق العشا.. سلمولى على مراتتكم والولاد.
محمد: سلام يا بابا
أحمد: سلام يا باشا
......................................................................
إرتدى كامل ملايسه وعدل رباط العنق أمام المراة فبدا وسيما. كان كامل فى الستين من عمره ممتلىء الجسم إلى حد ما , إختلط شعره الأبيض بالأسود بنسبه متساوية فيخيل للناظر أن شعره (رمادى), يمتلك يشرة قمحية وإن كانت أقرب للبياض. حينما تراه تشعر أنك أمام باشا وحينما تتكلم وتتعامل معه تتأكد أنك أمام إبن بلد جدع وشهم.
وصل كامل إلى الفندق المطل على النيل حيث حفل العشاء وكان باقى على الموعد حوالى 15 دقيقة, ركن سيارته وإتصل بإبنه محمد فأكد له أن الأمور على مايرام وأن الضيوف بدأوا فى الوصول فعلا..أثناء دخوله كانت هناك زفة عروس, ألقى عليها نظرة سريعة وإبتسم متمنيا زواج إبنه الأخير محمود بعد عودته من الخارج, وقف كامل برهة وإستدار مرة أخرى فهناك وجه مألوف... هل هى فعلا.. المرأة الواقفة بجوار العروس وتبدو على وجهها ملامح السعادة.. عقله يقول إنها هى, نفس الملامح مع ظهور أثار الزمن عليها.. نفس الرشاقة.. نفس الإبتسامة..أما قلبه.................. فيؤكد أنها هى.
فجأة وجد يد توضع على كتفه
أحمد: إيه يا باشمهندس حنسيب ضيوفنا ونتفرج على الزفة دى ولا إيه؟ طيب لو نفسك فى فرح قولى وأنا اتجوز من بكره
كامل: .....................
أحمد: هى الزفة عجباك قوى كده؟ هى بصراحة العروسة قمر ... تجنن
كامل وقد أفاق من شروده: تصدق أنا لازم أقول لمراتك .. ثم إبتسم إبتسامة خفيفة.
أحمد: يا باشا مراتى مين بس , تعالى زمان ضيوفنا كلهم وصلوا
ذهب كامل مع أحمد إلى قاعة العشاء ورحب بالحاضرين...وجلس على مائدة مع ولديه وكبار المسؤلين عن المشروع من باقى أطراف التعاقد وأخذوا يتجاذبون أطراف الحديث حول المشروع وأمورالعمل وحول السياسة وأمور عامة كثيرة.. لم يسمع الكثير مما قيل فقد كان باله مشغول بما رأى فى بهو الفندق.. لم يفيق إلا على صوت محمد فى أذنه: بابا الدور عليك تقول كلمتك, فوقف وسط تصفيق الحاضرين ورسم على وجهه إبتسامةواثقة وقد كان يملك من الحنكة والخبرة ما يجعله يلقى بكلمة بسيطة جدا ولكن معبرة ورائعة ثم جلس مرة أخرى وما هى إلا دقائق وعاد إلى شروده .
محمد: مالك يا بابا تعبان ولا حاجة؟
كامل: لا خالص أنا زى الفل.. أنا خارج 5 دقايق أشم هوا وراجع على طول.. بعد إذنكم يا جماعة ديقتين وراجع
خرج كامل وهو لا يدرى ما الذى يفعله؟ هل يدخل قاعة أفراح لا يعرف فيها احد للبحث عن إمرأة قد لا تعرفه؟
وإن وجدها ماذا يقول؟ وما هو رد فعل زوجها؟
فى أثناء مروره بالقاعة المجاورة وجدها أمام باب القاعة تتحدث فى الموبيل.. وقف متسمرا أمامها وكانت لا تلاحظه وما أن إنتهت من المكالمة حتى لاحظت ان هناك من يقف على بعد خطوات منها فنظرت إليه فرسم على وجهه إبتسامة حاول جاهدا ان يجعلها طبيعية
كامل: المهندسة أمنبة؟
أمنية: معقول؟.. المهندس كامل؟
كامل: إيه ده دا إنت عرفتينى
أمنية: طبعا المهندس كامل محمود.. أشهر من نارعلى علم غير إنه زميل الدفعة القديم.
كامل: إزيك يا أمنية عاملة إيه؟ ماتغيرتيش
أمنية: حرام عليك.. دانا عجزت خالص
كامل ( كان نفسه يقولها إنت لسه زى القمر) : عجزتى؟ أمال أنا اقول إيه؟ عجوز وبشعر أبيض وبكرش.. إنت معزومة فى الفرح ده؟
أمنية: لا يا سيدى دا فرح بنتى الصغيرة
كامل: ماشاء الله ماشاء الله ... سلمى عليها وباركلها
أمنية: لأ تعالى سلم عليها بنفسك
كامل: طيب بس بسرعة علشان معايا ضيوف.. وكمان أسلم على باباها وأباركله
أمنية: باباها تعيش إنت من خمس سنين
كامل: أسف.. البقية فى حياتك والبركة فيكي
....................
الحلقة القادمة بقلم حاجات جوايا